منتدى شباب ابو سيفين بسمسطا
عزيزى الزائر يستوجب عليك التسجيل حتى تتمكن من تصفح المنتدى
منتدى شباب ابو سيفين بسمسطا
عزيزى الزائر يستوجب عليك التسجيل حتى تتمكن من تصفح المنتدى
منتدى شباب ابو سيفين بسمسطا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى شباب ابو سيفين بسمسطا

منتدى دينى مسيحى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 252
تاريخ التسجيل : 06/11/2009
العمر : 37

تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1   تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1 Emptyالجمعة سبتمبر 10, 2010 2:33 pm

العروس تعلن شخصية خطيبها:

في فترة الخطوبة تتعرف العروس على عريسها، تتكشف شخصيته، وتعرف أسراره، وتتحقق صدق حبه لها وتعرف امكانياته حتى ترتبط به عريسًا إلى الأبد.
وإذ تذوق حبه يبتلع العريس كل تفكيرها، ويمتص كيانها كله، فيصير موضوع حديثها مع أقاربها ومعارفها، بل يصير بالنسبة لها الكل في الكل.
فماذا رأت الكنيسة في "المسيا" عريسها؟ لقد رأته:
1. المسيا المتألم.
2. المسيا الراعي.
3. المسيا الملك.
4. المسيا الحبيب.
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1 Divider-3

المسيا المتألم


قبلات الفم الإلهي:

لو أن هذا السفر خاص بالمبتدئين لبدأ بمناجاة الله العريس لعروسه، يلاطفها ويعلن حبه لها، ليدخل بها إلى حياة التوبة، فتصطلح معه وتقبل الاتحاد معه، لكنه هو سفر الناضجين الذين ذاقوا بالفعل محبته والتهبت قلوبهم به. لقد تقبلوا تيار حبه المتدفق خلال الصليب، فيطلبون أن يعيشوا حياتهم كلها يلهجون في هذا الحب الإلهي، قائلين بلسان الكنيسة:
"لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ،
لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ،
لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ، اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ،
لِذَلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى" [٢-٣].
إنه صوت الكنيسة الجامعة وقد رفعت أنظارها إلى الصليب، فاشتمت رائحته الطيبة، ورأت اسمه مهرقًا من أجلها، فوجدت لذة في حبه، لهذا أخذت تناجيه، قائلة: "لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ". وهنا نلاحظ الآتي:
1. إنها تطلب قبلات فم الآب. "لِيُقَبِّلْنِي(هو)". حقًا لقد قبلها الله بقبلات كثيرة على مر العصور. أعلن حبه لها فخلق العالم كله من أجلها، أوجدها من العدم، وأعطاها صورته ومثاله، وباختصار لم يعوزها شيء. بعد السقوط لم يتركها بل وعدها بالخلاص، ووهبها الناموس المكتوب عونًا، وأرسل لها الأنبياء يؤكدون لها خلاصه... لكن هذا كله لن يشبع العروس، فإنها تريده هو بنفسه يقترب إليها ويهبها ذاته... تريد كل قبلات فمه المباشرة! وكأنها بالعروس التي تفرح بالعريس الذي يطلب يدها ويرسل لها أقاربه، ويبعث إليها الهدايا المستمرة الثمينة... لكنه لن تشبع إنما تطلبه هو!
في هذا يقول العلامة أوريجانوس: [إن الكنيسة في العهد القديم كانت كفتاة صغيرة غير ناضجة، لم تتمتع بصحبة العريس نفسه مباشرة بل تمتعت بصحبة أصحابه أي الملائكة والآباء والأنبياء، ومن خلالهم تقبلت قبلات الله التي هي تعليم العهد الجديد ووصاياه[21]. كانت في طريق النمو، تسير نحو النضوج لترى عريسها قادمًا إليها على جبال الناموس وتلال النبوات فالتهب قلبها بالحي نحوه، قائلة: "ليأت وينزل إلى ويقبلني بنفسه على الصليب، ليضمني إليه بالحب العلمي فأتحد معه". هذا ما أعلنه الرسول بولس في حديثه مع العبرانيين إذ يقول: "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (عب 1: 1-2)... كلمنا بقبلات الحب العملي المباشر.
2. لا تستحي أن تطلب من الابن قبلات الآب، لأن ما هو للآب فهو للابن أيضًا. وما قدمه الابن بإرادته إنما قدمه طاعة الآب. لهذا يؤكد الكتاب: "هكذا أحب الله (الآب) العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو ٣: ١٦)، وفي نفس الوقت يقول الرسول "أحبني وأسلم ذاته من أجلي"... إن قبلات الصليب لنا هي علامة حب الآب والابن أيضًا!.
لقد سبق فرأينا استحالة انطباق هذه العبارة على أي حب جسداني زمني، إذ تطلب العروس من عريسها قبلات آخر غيره، لكن الحديث هنا عن القبلات الإلهية الروحية التي تحمل معنى الاتحاد الخفي لتكون واحدًا مع الآب في ابنه خلال قبلات الصليب.
3. لا تطلب العروس قبلة أو قبلتين أو أكثر بل تريد كل "قبلات فمه"... هذه أحساسات المؤمن حين ينفتح قلبه لمحبة الله، فإنه يرى كأنه لا يوجد في الحياة إلاَّ الله وهو، فيطلب كل حب الله له.
4. لا تطلب الكنيسة قبلات الرب جميعها فحسب، لكنها تطلب نوعية خاصة من القبلات، ألا وهي " قُبْلاَتِ فَمِهِ"، التي تُعبر عن العلاقة الزوجية الوطيدة والفريدة التي لا يشترك فيها آخر معهما.
لقد سجل لنا الكتاب المقدس نوعيات مختلفة من القبلات، لكنها ليست بالقبلات المشبعة، فقد ودع لابان بنيه وبناته بالقبلات (تك ٣١: ٥٥)، واستقبل يعقوب حفيديه ابني يوسف بالقبلات (تك ٤٨: ١٠)، وودعت نعمى كنتاها بالبكاء والتقبيل (راعوث ١: ٩)، وطلب إسحق من ابنه يعقوب أن يتقدم ويقبله ليأخذ بركة (تك ٢٧: ٢٦)، وتقدم أبشالوم بن داود ليقبل أبناء الشعب ليكسب قلوبهم (٢ صم ١٥: ٥)، وقبل يوناثان داود النبي علامة الصداقة وميثاق الوفاء (١ صم ٣٠: ٤١)، وودعت كنيسة أفسس الرسول بولس بالبكاء والتقبيل (أع ٢٠: ٣٧). هذه كلها قبلات تمت بسبب رباط الدم أو القرابة أو الصداقة أو علامة آلام الفراق... لكنها قبلات مؤقتة، أما الكنيسة فتطلب قبلات الحب الأبدي، قبلات فم الله التي لا تتوقف.
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1 Divider-3

الحب الأطيب من الخمر:

تُناجي الكنيسة عريسها المصلوب من أجلها، قائلة: "لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ". هو حب يسكر النفس، فتنسى كل ما هو أرضي لتهيم في حب الله وحده.
جاءت كلمة "حُبَّكَ" في الترجمة السبعينية "ثدياك"، وكأن المؤمنين يجدون في اللبن الإلهي النابع من الثديين والمشبع للأطفال الصغار عذوبة وفاعلية وقوة أكثر مما للخمر الذي يستخدمه الرجال للدفء والقوة. في هذا يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [ما هو سام في حكمة العالم، يصغر جدًا أمام التعاليم التي نتقبلها من الكلمة الإلهي المقدمة للأطفال. هنا نجد الثديين الإلهيين أطيب من الخمر البشري].
إذ تُردد النفس: "ثدياك أطيب من الخمر" تعود إلى بساطة الطفولة تتطلع إلى خطيبها المرتفع على الصليب وتتعلق به في بساطة الإيمان كالطفل على صدر أمه... ترضع من ثديين حب الله فتنسى كل هموم الحياة وتمتليء تعزية، كقول المرتل: "عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي" (مز ٩٤: ١٩).
"ثدياك أطيب من الخمر"... كان الخمر يُقدم للضيوف، خاصة في الأعياد، علامة الفرح، كما كان يُقدم عند تقديم الذبائح (خر ٢٩: ٤٠؛ لا ٢٣: ١٣؛ عد ١٥: ٥٠)، أما حب السيد المسيح ففريد، يهب فرحًا لا يستطيع العالم أن ينزعه!
كان العنب يُعصر في مصر وربما في فلسطين بأن يسحق بالدوس بالأقدام في المعصرة (نح ١٣: ١٥؛ أي ١٤: ١١)، فينساب عصير (دماء) العنب الأحمر، ويخرج الرجال ثيابهم محمرة، أما إشعياء النبي فقد رأى السيد المسيح – العريس المحب – عظيمًا في القوة، بهيًا، يجتاز المعصرة بثياب محمرة من أجل خلاص عروسه... فتساءل قائلاً:
"مَنْ ذَا الآتِي مِنْ أَدُومَ بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟!
هَذَا الْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ، الْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ؟!
أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ، الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ.
مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ الْمِعْصَرَةِ؟!
قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ" (إش ٦٣: ١–4).
هذا هو الحب الفريد الأطيب من الخمر[22]... فقد أجتاز الرب المعصرة وحده، لا ليقدم خمرًا أرضيًا بل يقدم دمه المبذول عنا، سرّ حياتنا وقوتنا وخلاصنا.
لا عجب أن يبدأ السيد خدمته في عرس قانا الجليل، محولاً الماء خمرًا، لا ليسكروا بل بالحري أفاقهم من السكر، وهبهم الخمر الجديد علامة حبه واهب الفرح والقوة. في هذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [في ذلك الوقت والآن أيضًا لا يكف عن تغيير ضعفنا وإرادتنا الواهية. نعم فإنه يوجد أناس لا يختلفون عن الماء في شيء، باردون وضعفاء ومملؤون سيولة (ميوعة). لنأت بمثل هؤلاء إلى حضرة الرب ليحول إرادتهم إلى خمر، فلا يعودوا كالماء المهو بل يصيرون متماسكين، ويصيروا سرّ بهجة لنفوسهم ولغيرهم[23]]. هذا هو الحب الأطيب من الخمر الذي يدخل بطبيعتنا الضعيفة إلى الحياة الجديدة فتحمل قوة الحياة.
خلال هذا الخمر الجديد، أو خلال الحب العريس الأطيب من الخمر تشتم النفس المؤمنة رائحة أدهان المسيح الطيبة، وترى إسمه دهنًا مهرقًا، إذ إجتاز الصليب وحده، إنها تُناجيه قائلة:
"لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ،
اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ" [2].
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1 Divider-3

الممسوح بالدهن الطيب:

على الصليب سكب الرب كمال حبه فأفاح برائحته الطيبة في المسكونة كلها،
وظهر أسمه في الأرض كلها.
فاحت رائحة طيبة، فأدركت الكنيسة أنه بعينه الممسوح بالدهن من قبل الآب لخلاصنا، الذي شهد له النبي: "أحببت الحق وأبغضت الإثم. من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك" (مز ٤٤؛ عب ١: ٩)، بل وأكد الرب ذلك عندما دخل المجمع كعادته وفتح سفر إشعياء النبي، وقال: "روح الرب عليّ، لأنه مسحني لأُبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأُنادي المأسورين بالإطلاق والعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحريه..." عندئذ بدأ يقول لهم أنه قد تم اليوم هذا المكتوب في مسامعهم (لو ٤: ١٧–٢١؛ إش ٦١: ١).
وحين هاج اليهود على الرسل صلت الكنيسة هكذا: "بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحته، هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل" (أع ٤: ٢٧).
في العهد القديم، مسح يعقوب الحجر الذي كان تحت رأسه وأقامه ليكون عمودًا في بيت للرب (تك ٢٨: ١٨؛ ٣١: ١٣)، كعلامة إنفتاح السماء على الأرض، أو اللقاء بين الله والإنسان، أو سكنى الله وسط شعبه. وبحسب الشريعة كان الكهنة يُمسحون (خر ٤٠: ١٥)، كذلك الملوك (١ صم ١٠: ١)، والهيكل وكل ما بداخله وأواني بيت الله تُمسح بمسحة مقدسة. هذه المسحة سواء للأشخاص أو الأشياء تعني تكريسهم للرب، فلا يُمارس الأشخاص أعمالاً أخرى في العالم سوى خدمة الرب ولا يستخدم الهيكل أو الأواني المقدسة لغرض آخر غير خدمة الرب. وحين نتحدث عن "خدمة الرب" نقصد "خدمة الرب وسط شعبه" أو الدخول بالإنسان إلى حضرة الرب، إي خدمة الرب خلال البشرية وليس في معزل عنهم. لهذا حين نتحدث عن العريس "كلمة الله" كممسوح نرى فيه تحقيق المسحة في أكمل صورها، إذ حملنا فيه ودخل بنا إلى الاتحاد مع الله... هذا هو عمل المخلص، إذ يقول "من أجلهم أُقدس ذاتي (أي كرس عمله من أجلنا)... لكي يكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق".
هذه المسحة الفريدة قد فاحت رائحتها في السماء، فقد اشتمها الآب رائحة رضا، إذ حملت رائحة طاعة الابن الوحيد الحبيب الذي أطاع حتى الموت، ونحن أيضًا على الأرض نشتمها رائحة طيبة إذ تقتل رائحة نتانة خطايانا (مز ٨٣: ٥)، وتجعل منا "رائحة ذكية" (٢ كو ٢: ١٥). هذه هي فاعلية مسحته، أنه المسيح الذي يجعل من الخطاة مسحاء لهم رائحته الذكية.
لقد تحدث آباء الكنيسة عن آثار هذه المسحة المقدسة في حياتنا، فيرى القديس غريغوريوس النزينزي في سرّ العماد... أن المعمد يتمتع بسمات المسيح، فتفوح رائحة المسيح الذكية في كل أحاسيسه، إذ يقول[24]: [ليتنا نشفى من جهة الشم أيضًا... فلا يصعد علينا الغبار بل الرائحة الذكية (إش ٥: ٢٤)، لنشتم الدهن المهرق لأجلنا، لنقبله فينا روحيًا، فنتشكل ونتغير بواسطته، فيشتمون فينا الرائحة الذكية].
ويرى القديس أغسطينوس أن الأدهان الطيبة هي رائحة المسيح السماوي الذي يجتذب بصليبه القلب في السماء، إذ يقول[25]:
[لنحبه ولنتمثل به، لنجري وراء أدهانه...
لقد جاء وأفاح رائحته الطيبة التي ملأت العالم!
من أين جاءت هذه الرائحة الطيبة؟ من السماء!].
إذًا، فلتسيروا نحو السماء إن أردتم ألا تجاوبوا باطلاً عندما يقال لكم: إرفعوا قلوبكم[26]... إرفعو أفكاركم، إرفعوا حبكم ورجاءكم، حتى لا تفسد هذه الأشياء على الأرض... فإنه حيث يكون كنزكم هناك يكون قلبكم أيضًا (مت ٦: ٢١).
ويتحدث القديس أغسطينوس أيضًا عن جاذبية هذا الدهن الطيب، قائلاً[27]: [لنحول حواسنا عن رائحتنا الكريهة ونتوجه إليه، فنتنسم أنفاسنا قليلاً!].
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1 Divider-3

الاسم المهرق:

على الصليب أهرق هذا الدهن الطيب، ودخل به القبر حتى يتنسم الأموات رائحة الطيب عوض الفساد الذي لحق بهم، وبقيامته قدم للعالم هذا الدهن المهرق الطيب.
يقول القديس أمبروسيوس: [بإن هذا هو ما يختبره المؤمن حيث يدفن مع المسيح في المعمودية ويقوم فيشتم رائحة ثياب الرب، ويتنسم أسمه المهرق على الصليب، وينهل من رائحة القيامة[28]].
والعجيب أن هذا الاسم الطيب إذ أهرق على الصليب فاحت رائحته في العالم كله، فلم يعد أسم الله معروفًا بين اليهود وحدهم كما كان قبلاً بل تعرف عليه أمم وأجناس العالم. في هذا يقول القديس أمبروسيوس[29]: [كان الله معروفًا في يهوذا واسمه عظيمًا في إسرائيل (مز ٢٦: ١)، أما وقد ارتفع على الصليب فصار أسمه عجيبًا في الأرض كلها].
بمعنى آخر على الصليب تعرفت البشرية على إسمه، أنه "يسوع" مخلص البشر، وإنه عمانوئيل (الله معنا). إذ خلال الصليب أدركنا خلاصه وتفهمنا؟ معينة معنا بمصالحنا مع الله، لهذا نُناجيه قائلين: "اسمك دهن مهراق".
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1 Divider-3

حب العذارى له:

إذ إشتمت البشرية رائحة اسمه المهرق انجذبت إليه بقلوب عذراوية لا تُريد أن تنشغل بآخر غيره، وانسابت أفكارها نحوه في عذراوية لا تُريد أن تفكر في اهتمامات الحياة أو إغراءاتها، وانطلقت أحاسيسها وعواطفها وكل طاقاتها الداخلية نحوه... قائلة: "لِذَلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى" [٣].
هذه الجاذبية التي خلقها الصليب في أعماقنا الداخلية حتى خرج كل ما في داخلنا كعذارى نطلب العريس وحده تولد فينا جاذبية، فلا نجري إليه وحدنا، بل ونجتذب معنا كثيرين يجرون إليه بفرح، لهذا تُناجيه النفس البشرية قائلة:
"اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ،
أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ،
نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ،
نَذْكُرُ حُبَّكَ أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ.
بِالْحَقِّ يُحِبُّونَكَ..." [٤].
تقول: "إجذبني (أنا) فنجري (نحن) إليك،
أدخل (أنا) إلى حجالك، فنبتهج (نحن) ونفرح (نحن) بك ...".
هذا هو سرّ الصليب وفاعليته، إنه يحمل قوة الشهادة والجاذبية، وسرّ البهجة والفرح!
إذ تتمتع نفسي بك، وتكون أنت في داخلي خلال الصليب، وأصير أنا فيك، يتعرف الناس عليك خلالي ويطلبونك، حينئذ تمتلئ قلوبنا بهجة وفرحًا حتى السمائيون يفرحون أيضًا معنا!
أنجذب زكا العشار وراء السيد المسيح، فجمع الخطاة والعشارين ليلتقوا بالرب ويفرحوا به، وإذ جلست المرأة السامرية معه نادت أهل المدينة ليجالسوه وينعموا بحديثه الفعال.
هذا هو سرّ الكنيسة... قوة الصليب الجذابة، أما أن نسيت الكنيسة هذا الصليب واهتمت بطرق العالم فأنها لا تقدر أن تسابق العالم فيما يخصه، لكنها تغلبه بالحب خلال الصليب العامل في حياة أولادها.
بالصليب وحده تنجذب النفوس إلى الكنيسة خلال التوبة، أما وسائل العالم المغرية فتحطم صورة الكنيسة حتى في عيني العالم نفسه.
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1 Divider-3

الحجال الإلهي:

"أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ" [٤].
طلبت النفس يد العريس السماوي قائلة: "اجذبني" لكي يسندها ويمسك بها ويدخل بها إلى حجاله الروحي في أبهج لقاء.
يرى العلامة أوريجانوس النفس وهي في حالة انجذاب ودخول إلى حجال الرب صورة للمؤمنين الروحيين الذين انطلقت أذهانهم من التفسير الحرفي لكلمة الله ودخلت بقوة الروح القدس إلى أسرار الكلمة أو التفسير الروحي العميق، تدخل إلى العريس نفسه وتكشف أسرار ملكوته، هذا هو الحجال الإلهي... الذي هو تفسير الكلمة روحيًا، المشبع للنفس لا في هذه الحياة فحسب بل وفي الأبدية أيضًا، أو كما يرى العلامة أوريجانوس هو طعام النفس السماوي.
ويرى بعض الآباء أن "الحجال الإلهي"، هو "سرّ المعمودية". ففي جرن المعمودية يلتقي المؤمن بالسيد المسيح عريسًا له. يلبس الإنسان الجديد، وينعم بالملكوت الإلهي. تلبس النفس مسيحها كثوب أبيض للعرس الأبدي، تلبسه كبرّ لها لسرّ قداستها، يتجمل به، وتحيا به إلى الأبد. في هذا يقول الرسول بولس: "قد لبستم المسيح" (غلا ٣: 2٧).
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1 Divider-3

بين السواد والجمال:

إذ تلبس النفس مسيحها برًا لها وتقديسًا لحياتها تُقارن ماضيها بحاضرها، فتخاطب بنات أورشليم هكذا: "أَنَا سَوْدَاءُ وَجَمِيلَةٌ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، كَخِيَامِ قِيدَارَ كَشُقَقِ سُلَيْمَانَ" [٥]. إنها تعترف بضعفها الذاتي لكنها تُعلن عن جمالها الذي اقتنته خلال اتحادها بالمسيح يسوع ربها، قائلة: "أنا سوداء كخيام قيدار"[30] التي بلا جمال، لكنني في نفس الوقت جميلة كستائر سليمان (أو كما جاء في الترجمة اللاتينية كستائر سلما) [31].
يرى القديس أغسطينوس النفس البشرية قبل اتحادها بالسيد كقطعة الفحم السوداء، لكنها متى اتحدت به التهبت بناره المقدسة يزول سوادها وتصير جمر نار حارة في الروح، مملوءة جمالاً. وقد قدم القديس أغسطينوس شاول الطرسوسي مثالاً، إذ يقول[32]: [كان الرسول قبلاً مجدفًا ومضطهدًا وضارًا، كان فحمًا أسود غير متقد، لكنه إذ نال رحمة ألتهب بنار من السماء. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). صوت المسيح ألهبه نارًا وأزال كل سواد فيه، صار ملتهبًا بحرارة الروح، حتى ألهب آخرين بذات النار الملتهبة فيه].
ويرى القديس أمبروسيوس في هذه العبارة صورة لحالة الكنيسة التي تمتعت بالجمال الروحي، وبالإيمان تكملت في جرن المعمودية بنعمة الله، إذ يقول[33]: [إذ لبست تلك الثياب خلال جرن المعمودية تقول في نشيد الأناشيد: أنا سوداء وجميلة (كاملة) يا بنات أورشليم. إنيّ سوداء خلال الضعف البشري، كاملة خلال سرّ الإيمان!].
كما يقول أيضًا[34]: [الكنيسة سوداء بخطاياها، كاملة بالنعمة. إنها سوداء بالطبع البشري، كاملة بالخلاص... سوداء بأتربة الجهاد، كاملة عندما تتكلل بحلي النصرة!].
وتعتبر هذه العبارة في الحقيقة دواءً للمؤمن، متى شعر ببرّه الذاتي وحورب بالكبرياء يصرخ في أعماقه: "أنا سوداء"، وإن تثقلت نفسه بالضعف وحورب بصغر النفس أو اليأس يردد بقوة "أنا جميلة". وكأن الشعورين "بالسواد والجمال" ليسا متناقضين، بل يكمل أحدهما الآخر. شعور يسند في لحظات والآخر يسند في لحظات أخرى. الشعوران يؤديان إلى حالة توازن داخل النفس: الشعور بالضعف الذاتي مع إدراك لقوة عمل النعمة الإلهية.
وللعلامة أوريجانوس تفسير جميل لهذه العبارة... إذ يقول[35]:
[الكنيسة هنا توجه خطابها - لا إلى العريس، ولا إلى العذارى الساعيات في الطريق – بل إلى بنات أورشليم، اللواتي اتهمن الكنيسة العروس بالقبح وشهرن بسوادها، فتُجيب الكنيسة على هذا الاتهام بحديث تؤكد به صدق الاتهام، لأنها فعلاً سوداء، وهكذا تبدو وكما حكمت عليها بنات أورشليم. ولكن ليت بنات أورشليم يدركن جمال الداخل الذي للكنيسة، إذ بينما هي سوداء فهي جميلة.
إنها وأن كانت في سواد وقبح قيدار إلاَّ أنها في جمال شقق – أي ستائر – بيت الملك سليمان.
إن الكنيسة صاحبة هذا الحديث هي كنيسة جماهير الأمم... وبماذا يمكن لكنيسة الأمم أن تتفاخر أمام بنات أورشليم الأرضية، أي اليهود؟ الذين صبوا جام غضبهم على الكنيسة وعريسها، وكالوا للكنيسة كل احتقار وازدراء، ونسبوا إليها دناءة الأصل وخسته، لأنه لا يجري في عروق أعضائها وأبنائها دم النسب إلى إبراهيم وإسحق ويعقوب... هذا هو الذنب العظيم في نظر اليهود، إن كنيسة الأمم ليست من سلالة الآباء. وتعترف الكنيسة بهذا، وتردد نفس الاتهام الذي تعيرت به من بنات أورشليم "أنا سوداء"، وهذا السواد ليس فقط للحرمان من نسب الآباء، وإنما أيضًا للحرمان من تعليم الآباء والأنبياء.
هؤلاء الذين رفضهم الناموس وطردوا من خيمة إسحق، خلع عليهم الإنجيل جمال شقق وستائر بيت الملك سليمان... وما هي ستائر بيت ملك السلام إلاَّ ستائر خيمة الاجتماع حيث يسكن الله مع شعبه... الخيمة التي غطتها من الخارج جلود الماعز غير الجميلة... واحتوت من الداخل روعة الستائر، فضلا عن مجد الله فيها... وستائر الخيمة هي... من خارج شعر الماعز وجلود الكباش المحمرة وجلود التخس، أما من داخل فالستائر من أسمانجوني وأرجوان وقرمز وبوص].
عرض العلامة أوريجانوس بعض أحداث العهد القديم وعباراته التي أنبأت بدعوة جماعة الأمم السوداء ودخولها إلى الاتحاد مع المسيح كعروس جميلة ومقدسة له، ألا وهي:
1. زواج موسى النبي بالمرأة الكوشية (سوداء البشرة)، الأمر الذي أثار أخته فتكلمت ضده وشهرت به (عد ١٢)، لهذا ضُربت بالبرص وأُخرجت خارج المحلة. حمل هذا العمل صورة رمزية لاتحاد السيد المسيح بكنيسة الأمم الأمر الذي أثار اليهود حتى رفضوا الإيمان به، وصاروا يعيرون الأمم بماضيهم الشرير.
يتحدث العلامة أوريجانوس على لسان كنيسة الأمم إذ تخاطب اليهود، قائلاً[36]: [حقًا إنيّ أعجب يا بنات أورشليم أنكن توبخنني على سواد بشرتي. هل نسيتن ما ورد في ناموسكن وما عنته مريم حين تحدثت ضد موسى لأنه إتخذ لنفسه امرأة كوشية سوداء؟! ولا تعرفن أن هذا الرمز قد تحقق فيّ بحق؟! أنا هي الكوشية! حقًا أنيّ سوداء بسبب رداءة أصلي، لكنني جميلة بالتوبة والإيمان. لقد اتخذت لنفسي ابن الله. لقد قبلت "الكلمة الذي صار جسدًا" (يو ١: ١٤)، لقد أتيت إلى ذاك الذي هو "صورة الله، بكر كل خليقة" (كو 15: 1)، "الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره" (عب ١: ٣)، فصرت جميلة! ماذا تفعلن؟ أتوبخن من تركت خطيتها. الأمر الذي يمنعه الناموس؟! أتطلبن مجد الناموس وأنتن تنتهكن إياه؟!].
2. قصة ملكة سبأ التي جاءت تسمع حكمة سليمان (١ مل ١٠) التي حملت رمزًا لكنيسة الأمم، إذ جاءت تسمع حكمة سليمان (١ مل ١٠) التي وقد أشار السيد نفسه إليها، موبخًا اليهود، قائلاً: "ملكة التَّيْمَن ستقوم في الدين مع هذا الجيل وتدينه لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وهوذا أعظم من سليمان ههنا" (مت ١٢: ٤2).
جاءت ملكة سبأ وتكلمت معه بكل ما في قلبها (١ مل ١٠: ٢) وامتحنته بأسئلة وألغاز ظنت أنها بلا إجابة، لكن سليمان الحقيقي حلّ كل مشاكلها، وأعلن لها معرفة الله الحقيقي، وأوضح لها خلود النفس والدينونة الأخيرة... الأمور التي لم يستطع الفلاسفة أن يوضحوها للأمم بحق.
جاءت الملكة إلى "أورشليم" التي تعني "رؤية السلام"[37]، والسيد المسيح في أسبوع آلامه أعلن للكنيسة امكانياته، قائلاً: "سلامي أنا أعطيكم".
حين رأت الملكة ما لسليمان "لم يبق فيها روح بعد" (١ مل ١٠: ٥)، والكنيسة إذ تكتشف أسرار مسيحها المتألم تذوب حبًا، ولا تطيق بعد إلاَّ أن تنطلق وتكون معه.
لقد قدمت للملك سليمان مئة وعشرين وزنة ذهب (١ مل ١٠: ١٠)، وهو ذات الرقم الذي سمح به الرب في أيام نوح لعمر الإنسان (تك ٦: ٣)، وهو عمر موسى النبي (تث ٣٤: ٧)، وكأن كنيسة الأمم أرادت أن تُقدم كل عمرها كوزنات ذهبية، أي تحمل الطبيعة السماوية.
قدمت أيضًا أطيابًا كثيرة (١ مل ١٠: ١٠) وهي تقدمة الحب التي يتقبلها السيد المسيح من الخطاة التائبين.
3. جاء في سفر المزامير: "يأتي شرفاء من مصر. كوش تبسط يديها إلى الله. يا ممالك الأرض غنوا لله، رنموا للسيد" (مز ٦٨ (٦٧): ٣١، ٣٢). هكذا تبسط كنيسة الأمم السوداء (كوش) يديها لله فتصير جميلة، ومن خلالها ينطلق لسان كل ممالك الأرض بالتسبيح له.
4. ورد في صفنيا: "فانتظروني يقول الرب... لأنيّ أحول الشعوب إلى شفة نقية، ليدعوا كلهم باسم الرب، ليعبدوه بكتف واحدة... من عبر أنهار كوش المتضرعون إليّ، متبددي يقدمون تقدمتي" (٣: ٨–١٠). هكذا تتحول الشعوب الوثنية إلى شفاة تسبيح نقية، وتعبر أنهار كوش أي تترك سوادها وظلمتها خلال تعبدها لله وتقديم ذبيحة المسيح.
5. إذ أنقذ ملك الكوشي إرميا واخرجه بحبال من الجب (إر ٣٨: ٧–١٣) صارت كلمة الرب إلى إرميا: إذهب وكلم عبد ملك الكوشي قائلاً: هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل: هأنذا جالب كلامي على هذه المدينة للشر... ولكنني أنقذك في ذلك اليوم يقول الرب فلا تُسلم ليد الناس الذين أنت خائف منهم، بل إنما أُنجيك نجاة فلا تسقط بالسيف بل تكون لك نفسك غنيمة لأنك قد توكلت عليّ يقول الرب" (إر ٣٩: ١٥–١٨). هكذا كان هذا الرجل الكوشي رمزًا لكنيسة الأمم السوداء التي اتكلت على الله فخلصها.
ختم العلامة أوريجانوس مقارنته هذه بقوله: [توجد عبارات كثيرة – كما ترون – تشهد لهذه السوداء والجميلة تتصرف حسنًا مع بنات أورشليم، وتؤكد بثقة: حقًا أنيّ قاتمة (سوداء) كخيام قيدار، لكنني جميلة كستائر سليمان].
وللعلامة ملاحظة أخرى: [مع أن المتحدث يبدو أنه شخصية واحدة، لكنه تُشبه نفسها بالخيام والستائر بصيغة الجمع، لهذا يلزمنا أن نعرف أن المتحدث هنا جماعة من الكنائس بلا حصر منتشرة في العالم وتجمعات من الشعوب، وذلك كما قيل عن ملكوت الله أنه واحد ومع ذلك يذكر وجود منازل كثيرة في بيت الآب (يو ١٤: ٢)].
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1 Divider-3
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shabababosefeen.yoo7.com
 
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2
» تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الثانى
» تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الثانى
» تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الثالث
» تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الرابع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شباب ابو سيفين بسمسطا :: قسم الكتاب المقدس :: دراسة الكتاب المقدس-
انتقل الى: