منتدى شباب ابو سيفين بسمسطا
عزيزى الزائر يستوجب عليك التسجيل حتى تتمكن من تصفح المنتدى
منتدى شباب ابو سيفين بسمسطا
عزيزى الزائر يستوجب عليك التسجيل حتى تتمكن من تصفح المنتدى
منتدى شباب ابو سيفين بسمسطا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى شباب ابو سيفين بسمسطا

منتدى دينى مسيحى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 252
تاريخ التسجيل : 06/11/2009
العمر : 37

تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2   تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Emptyالجمعة سبتمبر 10, 2010 2:35 pm

بين شمس التجارب وشمس العدل:

تقدم العروس سببًا لسوادها أو ظلمتها، قائلة:
"لاَ تَنْظُرْنَ إِلَيَّ لِكَوْنِي سَوْدَاءَ (داكنة اللون) لأَنَّ الشَّمْسَ قَدْ لَوَّحَتْنِي" [٦].
كان يليق باليهود أن يسندوا الأمم ويكرزوا لهم بالصليب، لكن عوض الكرازة وقفوا يعيرونهم بالسواد الذي لحق بهم بسبب الوثنية، أما الأمم فأجابوا بأن سوادهم ليس طبيعيًا، جبلوا عليه، إنما هي نتيجة ما عانوه إذ "نزلوا" تحت الشمس فلوحتهم. ويعلق العلامة أوريجانوس على ذلك بقوله[38]: [صارت سوداء لأنها نزلت، لكنها حالما بدأت ترتفع "طالعة من البرية" (نش ٨: ٥) مستندة على ابن أختها (الذي جاء مولودًا من جماعة اليهود)، لا تسمح بشيء يفصلها عنه، تصير بيضاء وجميلة. فإن سوادها يتبدد تمامًا وتضيء بأشعة النور المحيط بها. هكذا تعتذر (كنيسة الأمم) لبنات أورشليم عن سوادها قائلة: لا تحسبن يا بنات أورشليم أن السواد المرتسم على وجهي طبيعي، لكن لتفهمن أنه قد حدث بسبب تجاهل شمس العدل ليّ. فإن "شمس العدل" لم يصوب أشعته عليّ مباشرة، لأنه وجدني غير مستقيمة. أننيّ شعب الأمم الذي لم يتطلع إلي شمس العدل ولا وقفت أمام الرب (لو ٢١: ٣٦)... فإنني إذ لم أؤمن في القديم أختارك الله ونلت أنت رحمة واهتم بك "شمس العدل" بينما تجاهلني أنا، ولوحني بسبب عصياني وعدم إيماني. أما الآن فإنك إذ صرت غير مؤمنة وعاصية، صار ليّ رجاء أن يتطلع "شمس العدل" إليّ أنا فأجد رحمة!].
لعل هذا يوضح قول الرسول بولس: "أن القساوة قد حصلت جزئيًا لأسرائيل إلى أن يدخل ملء الأمم... فإنه كما كنتم أنتم مرة لا تطيعون الله ولكن الآن رحمتم بعصيان هؤلاء" (رو ١١: ٢٥،٣٠). ففي القديم كان الأمم مثقلين بشمس التجارب، محرومين من شمس العدل، فأعطيت الفرصة لإسرائيل أن يُختاروا وينعم عليهم بالرحمة، أما الآن إذ رفض اليهود شمس العدل وسقطوا تحت شمس العصيان وعدم الإيمان، تمتعت كنيسة الأمم بالمسيح شمس العدل. لقد زال سوادها القديم بإشراق شمس العدل عليها! ولم تعد شمس الخطية تقوى عليها، كقول المرتل "لا تحرقك الشمس بالنهار ولا القمر بالليل" (مز ١٢٠: ٦).
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

الحرب الداخلية:

إذ التقت الكنيسة بعريسها المتألم، جذبها إليه فدخلت حجاله وفرحت به، أرواها بمحبته اللانهائية، ففاحت رائحته الذكية، مقدسًا كل أعماقها وأحاسيسها، نازعًا عنها ظلمة الخطية وسواد الشر، عاكسًا جماله عليها، لهذا لا تطيق قوات الظلمة إلاَّ أن تثور ضد العروس.
في هذا تقول العروس:
"بَنُو أُمِّي غَضِبُو عَلَيَّ جَعَلُونِي نَاطُورَةَ (حارسة) الْكُرُومِ،
أَمَّا كَرْمِي فَلَمْ أَنْطُرْهُ" [٦].
من هم بنو أمها؟ وما هو سرّ غضبهم عليها؟
وما هو الكرم الذي تحرسه العروس وكرمها الذي لا تحفظه؟
1. يرى العلامة أوريجانوس أن الترجمة الدقيقة للنص هي: "بنو أمي حاربوا في" وليس ضدي. هنا "بنو أمها" هم الرسل الذين هم من جماعة اليهود، إذ الأمم واليهود من أم واحدة. هؤلاء الرسل لم يكفوا عن أثارة حرب عنيفة داخل الأمم حتى يهدموا كل أبراج الباطل ويحطموا حصون التعاليم الوثنية الخاطئة ويغلبوا كل شر، فيقيموا من الأمم الوثنيين "حارسة لكرم الرب" وحافظة للناموس والأنبياء، أما "كرمها الخاص" أي تعاليمها الوثنية فلا تعود تحفظها أو تهتم بها.
2. وللعلامة أوريجانوس رأي آخر وهو أن الملائكة هم "بنو أمها"، فقد صار البشر والملائكة منتمين إلى أم واحدة، صار الكل أعضاء في كنيسة المسيح. هؤلاء الملائكة يسندوننا ويحاربون عنا ومعنا، إذ يرسلهم الرب لعوننا في الحرب الداخلية ضد الخطية، حتى تقدر النفس أن ترعى كرم الرب الذي هو "القلب" وتتخلى عن كرمها الذاتي أو أعمال إنسانها القديم، فلا تعود تحتفظ بها بل تتخلى عنها[39].
3. هناك تفسير ثالث وهو أن "بني الأم" تُشير إلى "الأنا" أو "الذات" إذ "أعداء الإنسان أهل بيته" (مت ١٠: ٣٦). الذات البشرية هي عدو يثور ضد عمل المسيح فينا. خلال هذه الحرب يهتم المؤمن بكروم الآخرين وينشغل في كبرياء بمظاهر الخدمة والكرازة دون أن يهتم بكرمه الداخلي أو حياته الداخلية.
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

2. المسيا الراعي

إذا تحدثت الكنيسة عن عريسها "المسيا المتألم"، فرأت في آلامه جاذبية حتى انسحبت كثيرات معها إليه، هاج العدو عليها... لهذا تستنجد الكنيسة بذات العريس بكونه "الراعي الصالح"، الذي يدخل إلى حياتها ويرعاها بنفسه، أنها تناجيه، قائلة:
"أَخْبِرْنِي يَا مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي، أَيْنَ تَرْعَى؟ أَيْنَ تُرْبِضُ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ؟" [7].
في وسط مرارة قلبها بسبب شدة حرب العدو ضدها تشعر النفس البشرية بعذوبة عناية الله راعيها، فتدعوه "يا من تحبه نفسي". وكأنها تقول مع القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [هذا هو الاسم الذي أدعوك به (يا من تحبه نفسي)، لأن أسمك فوق كل الأشياء، وهو غير مدرك حتى بالنسبة لكل الخلائق العاقلة. هذا الاسم يعلن عن صلاحك، ويجذب نفسي إليك. كيف أقدر ألا أحبك، يا من أحببتني هكذا وأنا سوداء (نش ١: ٤)، فبذلت حياتك من أجل القطيع الذي هو موضوع رعايتك؟![40]].
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

موضوع الرعاية:

أنها تسأل الراعي الذي أحبته من كل القلب والنفس عن موضع راحته، لتستريح معه وبه... تسأله الطريق حتى لا تسلك حسب أهوائها الشخصية.
في القديم إذ إشتدت شمس التجارب على داود النبي التجأ إلى بيت الله بكونه الموضع الذي فيه يرعى الله ويربض عند الظهيرة، إذ قال:
"إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي،
إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ، فَفِي ذَلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ.
وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ الرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي،
لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ،
أَنَّهُ يُخَبِّئُنِي فِي مَظَلَّتِهِ فِي يَوْمِ الشَّرِّ،
يَسْتُرُنِي بِسِتْرِ خَيْمَتِهِ،
عَلَى صَخْرَةٍ يَرْفَعُنِي.
وَالآنَ يَرْتَفِعُ رَأْسِي عَلَى أَعْدَائِي حَوْلِي، فَأَذْبَحُ فِي خَيْمَتِهِ ذَبَائِحَ الْهُتَافِ أُغَنِّي وَأُرَنِّمُ لِلرَّبِّ"
(مز ٢٧: 1–٦).
حقًا، ما أحوجنا أن يمسك الراعي نفسه بأيدينا ويدخل بنا إلى كنيسته، موضع راحته، مرعى الخلاص... هناك نلتقي بالسيد المسيح نفسه سرّ راحتنا وسلامنا، وننعم بمواهب روحه القدوس الذي يعزينا. في بيته نلنا البنوة لله خلال المعمودية، وقبلنا روحه القدوس، ساكنًا فينا خلال سرّ الميرون. في بيته نجد غفران الخطايا وننتعش بالذبيحة المحيية، جسد ابن الله ودمه المبذولان من أجلنا... في بيته نجلس تحت ظلال صليبه، سرّ مصالحتنا مع الله وسلامنا الداخلي. متى قسى العدو الحرب ضدنا، ومتى ثارت الخطية داخلنا، نجري إلى بيته بدموع التوبة فنجد الراعي نفسه يبحث عنا، وروحه القدوس يشتهي تقديسنا!
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

الظهيرة:

لماذا اختارت العروس أن تلتقي بعريسها الراعي في وقت الظهيرة، قائلة "أَيْنَ تُرْبِضُ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ؟"
إن كنا نلتقي بالراعي الصالح في كنيسته الواحدة الممتدة عبر العصور إنما تدخل إليه لنراه متجليًا فيها كشمس الظهيرة... فلا يعرف أعضاؤها الظلمة أو الظلال، بل يعيشون على الدوام في ذروة نور راعيهم، يستنيرون به فيصيرون بدورهم نورًا للعالم. في هذا يقول الحكيم: "أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل، أما طريق الأشرار فكالظلام" (أم ٤: ١٨-١٩).
يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص[41]: [إنك تجعلني أربض في الظهيرة... في النور لا يعرف ظلاً، إذ لا يجد ظل في الظهيرة حيث تكون الشمس عمودية علينا].
لا يمكن لأحد أن يتأهل لراحة الظهيرة ما لم يكن ابن النهار والنور... تقول العروس: "أرني كيف أربض؟ عرفني طريق راحة الظهيرة لئلا أضل عن قيادتك الأمينة، ويصيبني جهل للحق، الأمر الذي يصيب القطعان المضادة لقطيعك!".
ويقول القديس أغسطينوس[42]: [ماذا تعني الظهيرة؟ حرارة شديدة وضياء عظيم! إذًا، أنيّ أتعرف عليك يا من حكماؤك هم حارين في الروح، مضيئين في التعليم].
ويرى العلامة أوريجانوس في الظهيرة رمزًا لكمال بهاء الله، فالعروس تُريد أن تلتصق بالرب في ملء عظمته، إذ تناجيه هكذا، قائلة: "يحلو ليّ أن أبحث عنك في هذا الوقت بالذات، فلا أجد في طلبك مساءً أو عندما ترعى في الصباح، أو عند مغيب الشمس، إنما أبحث عنك في هذا الوقت... في وسط النهار حيث تكون أنت في ملء نورك... في ضياء عظمتك!".
وللعلامة أوريجانوس تفسير آخر لكلمة "الظهيرة"، ألا وهو إدراك كمال معرفة أسرار كلمة الله، إذ يقول[43]: [ما تدعوه بالظهيرة يُشير إلى مواضع القلب الخفية، حيث تقتفي النفس أثر نور معرفة كلمة الله الأكثر وضوحًا، لأن الظهيرة هي الوقت الذي تكون فيه الشمس في ذروتها. لذلك إذ يظهر السيد المسيح – شمس العدل – أسرار قوته العالية والسامية لكنيسته يُعرفها مواضع مراعيه المفرحة وأماكن راحته عند الظهيرة. فالكنيسة في البداية إذ تتعلم الأمور "الأولية" تتقبل منه أشعة المعرفة الخفية، لذا يقول النبي: "يعينها الله عند إقبال الصباح" (مز ٤٥: ٦)، أما الآن وهي تبحث عن الأمور الأكثر كمالاً ونشتاق إلى أشياء أكثر علوًا، فأنها تطلب نور المعرفة الذي للظهيرة].
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

لقاء مع الراعي عند الظهيرة:

تُريد الكنيسة أن تلتقي بعريسها وقد الظهيرة، لأن لهذا الوقت ذكريات فعالة في حياتها، نذكر على سبيل المثال:
1. في وقت الظهيرة ظهر الرب لإبراهيم ومعه ملاكان، وبشره هو وسارة امرأته أنه يقيم لهما نسلاً، يكون بركة لأمم كثيرة (تك ١٨)... يقيم لهما من مستودع سارة الذي في حكم الموت ومن شيخوخة إبراهيم حياة جديدة. هذا هو ما تطلبه الكنيسة من راعيها وقت الظهيرة، أن تلتقي به محوط بملائكته، تدخل معه في شركة الأمجاد السمائية، ليهبها اسحاقها الداخلي، أي يهبها "الحياة الجديدة"، يقيم فينا هذه الحياة رغم ما كنا فيه... إننا تحت حكم الموت وبلا ثمر، وكما اختبر إبراهيم وسارة "قوة القيامة"، إذ أقام لهما الرب من موتهما حياة، هكذا نطلب من راعينا أن نختبر على الدوام قوة القيامة فينا.
كما التقى إبراهيم أب الآباء بالله وقت الظهيرة خارج الخيمة، هكذا يلتزم أولاد إبراهيم الذين يعملون أعمال إبراهيم (يو ٨: ٣٩)، أي أن يخرجوا خارج حدود خيمة الجسد الوقتية طاردين عنهم بالروح القدس كل فكر جسداني وشهوة جسدية حتى ينعموا برؤية الله والتمتع برعايته.
2. وفي وقت الظهيرة التقى يوسف بأخيه الأصغر بنيامين، فحنت أحشاؤه إليه، ولم يقدر إلاَّ أن يدخل المخدع ويبكي (تك ٤٣). هذه هي صورة اللقاء التي نشتهيها حيث يلتقي الراعي الحقيقي البكر بيسوع المسيح بنا نحن اخوته الأصاغر، يرانا فتحن أحشاؤه علينا، ويدعونا "بنيامين" أي "أبناء اليمين".
3. عند الظهيرة سخر إيليا بكهنة البعل، قائلاً: "أدعوا بصوتِ عال لأنه إله العله مستغرق أو في خلوة أو في سفر أو لعله نائم فيتنبه" (١ مل ١٨: ٢٧)، هكذا تُريد الكنيسة أن تقترب من راعيها وقت الظهيرة لتراه إيليا الحقيقي، أي "إلهي"[44] الذي يسخر من إبليس وكل جنوده... وقد تحقق ذلك حيث ارتفع المسيا على الصليب في الظهيرة ليسحق الشيطان وكل جنوده، معطيًا إيانا سلطانًا أن ندوسه تحت أقدامنا.
4. في وقت الظهيرة أعلن الراعي الحقيقي يسوع المسيح ذاته لشاول الطرسوسي الذي كرس طاقاته لإباده أسم يسوع (أع ٢٢: ٩)، فاكتشف شاول حقيقة الراعي الحيّ الذي لا يموت، وتحولت حياته إلى إناء مختار يشهد باسم يسوع المسيح بين أمم كثيرة. هذه هي رعاية المسيا أن يحول المضطهدين إلى كارزين وخدام للكلمة.
5. أخيرًا، فإن تعبير العروس "أَيْنَ تُرْبِضُ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ"، يُذكرنا بنبوة أبينا يعقوب ليهوذا، قائلاً: "يهوذا جرو أسد... جثا وربض كأسد... من ينهضه؟ لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب" (تك ٤٩: ٩، ١٠). تحققت هذه النبوة حين ربض الأسد الخارج من سبط يهوذا ونام على الصليب وقت الساعة السادسة لا ليستريح بل ليرعى بالحب البشرية، مقدمًا دمه فدية وخلاصًا.
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

مراع غريبة:

تسأل الكنيسة راعيها: " أَيْنَ تَرْعَى؟ أَيْنَ تُرْبِضُ؟... لَئِلاَ أَكُونُ خَفيفَة[45] مُقَنَّعَةٍ عِنْدَ قُطْعَانِ أَصْحَابِكَ؟" [٧].
يعلق العلامة أوريجانوس على هذه العبارة هكذا: [إنها تشتاق أن تتعلم الطريق الذي يلزمها أن تسير فيه، لئلا بسبب عدم معرفتها لمنحنياته تعرج إلى قطعان أصحابه... فيراها كثيرون غيره. وكأنها تقول: أُريد ألا يراني أحد غيرك أنت وحدك. أود أن أعرف الطريق الذي يحضرني إليك... ولا يدخل أحد بيننا].
إنها تُريد أن تعرف الطريق الحقيقي فتنعم برعاية المسيح، لئلا تصير "خفيفة"، تهزها رياح التعاليم الغريبة، فترتمي عند قطعان الرعاة الذين يعملون لحسابهم الخاص وليس لحساب السيد المسيح. بهذا تصير "مُقنعة"، يحجب وجهها خلف القناع بدلاً من أن تلتقي براعيها بوجه مكشوف بمعنى آخر تُحرم من كونها العروس المتحدة بعريسها دون وجود حجاب يحجز بينهما.
ويرى القديس چيروم أن القناع هنا يُشير إلى "برقع الشريعة القديمة"[46]، فإنه إذ تلتقي العروس براعيها عند الصليب وقت الظهيرة لا تعود تلبس قناعًا، إذ أنشق الحجاب وزال عهد الظلال، ودخلنا في عهد جديد فيه نلتقي مع الله بوجه مكشوف، أي بدالة الحب البنوي أو الحب الزوجي. لا نعود نحتاج إلى برقع نضعه على وجهنا مثل موسى، بل ندخل إلى أسرار الله، ونكون في حضرته متحدين معه.
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

طريق الرعاية:

يُجيب الراعي كنيسته هكذا:
"أِنْ لَمْ تَعْرِفِي (نفسك) أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ،
فَاخْرُجِي عَلَى آثَارِ الْغَنَمِ،
وَأرْعَيْ جِدَاءَكِ عِنْدَ مَسَاكِنِ الرُّعَاةِ" [٩].
إذ سألته عن الطريق الخاص به حتى لا تصير خفيفة ومقنعة، تنحرف إلى قطعان الأصحاب، أوضح لها الراعي معالم الطريق في نقط ثلاث:
1. تتعرف أولاً على نفسها، وتدرك الطبيعة الجديدة التي وُهبت لها خلال رعايته.
2. تخرج عن الانعزالية والذاتية، ممتثلة بالآباء القديسين.
3. تشهد للراعي أمام الجداء لتدخل بهم إلى موضع رعايته.
1. يسألها الراعي الصالح أولاً أن تتعرف على ذاتها، أي تبدأ بالداخل، لتدرك أن الله قد خلقها على صورته ومثاله بلا عيب، وقد زينها بالجمال الفريد "الجميلة بين النساء"، وقد دفع الثمن في رعايته لها خلال الصليب.
بهذا يدفع الراعي بأولاده إلى روح الرجاء، فيؤكد للنفس البشرية أنها حتى إن لم تعرف هي ذاتها، فهو يعرفها تمامًا أنها "الفريدة في الجمال"، إذ صارت مسكنًا لروحه القدوس وقد لبست المسيح نفسه، وتهيأت به لتكون عروسه الأبدية.
إذًا، ليفحص المؤمن أعماقه وليدرك الطبيعة الجديدة التي وُهبت له في المعمودية، وليعلم أنه، في عيني الراعي السماوي، جميل بين الخليقة كلها.
2. يأمرها أيضًا بالخروج (اخرجي)، فأنها لا تقدر أن تصير "جميلة بين النساء" أن لم تخرج مع راعيها خارج المحلة لتحمل عاره (عب ١٣: ١٣). لتخرج من الأنا أو الذات البشرية، وتصلب مع عريسها، فتحيا فيه وبه، وكأنه ينصحها بل يأمرها هكذا: "إن أردتي رعايتي فاخرجي عن ذاتك وتعالي إلى صليبي".
في خروجها تخرج مع الرأس نفسه الراعي المصلوب، ومع بقية أعضاء الجسد "على آثار الغنم"، سواء مع الآباء القديسين السابقين أو مع المجاهدين. لهذا ينصحنا الرسول أيضًا: "انظروا إلى نهاية سيرتهم وتمثلوا بإيمانهم" (عب ١٣: ٧). أن كنا نخاف الصليب، فلننظر كيف خرج آباؤنا القديسين إلى الصليب فتقدسوا وتجملوا.
3. إذ تعرف النفس مركزها الجديد كعروس جميلة وتمتثل بالآباء القديسين، حاملة عار الصليب خارج المحلة، أي خارج الذات البشرية يلزمها أن تعمل... تشهد للراعي أمام الجداء. هكذا لا تعيش في سلبية، بل يحترق قلبها من أجل الخطاة كقول المرتل: "الكآبة ملكتني من أجل الخطاة الذين حادوا عن ناموسك"، حتى تدخل بهم إلى "مسكن الراعاة"، أي إلى كنيسة المسيح التي يقطن بها الرعاة.
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

دعوة للجهاد والعمل:

إذ تلتزم الكنيسة وهي تحت رعاية المسيا المخلص أن تحمل مسئولية الشهادة العملية لخلاصه فتدخل بالجداء إلى الحظيرة ليصيروا خراف المسيح يطلب منها أن تعمل بروح القوة التي لا تعرف الخوف، وروح الوحدة بغير انقسام، قائلاً لها:
"لَقَدْ شَبَّهْتُكِ يَا حَبِيبَتِي (صاحبتي) بِفَرَسي[47] فِي مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ" [٩].
1. هنا نلاحظ دعوته لها؟ "فرسي"، بصيغه الجمع فإذا تدخل النفس تحت رعاية السيد المسيح وتحمل مسئولية الشهادة لصليبه تلتزم بالعمل بروح الوحدة مع بقية الخيل، تعمل في موكب المسيح الواحد! في جهادها الروحي كما في كرازتها ترتبط بكل أعضاء جسد المسيح، تقتفي أثار الآباء الأولين (أخرجي على آثار الغنم)، وتهتم بالأجيال المقبلة (أرعي جداءك)، وتنضم في العمل مع المجاهدين إذ تسير كأحد الفرسان التي في موكب المسيح يسوع ربنا. وكأن سرّ القوة في حياة المؤمن أنه وقد أرتبط بالمسيح رأس الكنيسة الواحدة يرتبط بالكنيسة كلها الممتدة منذ آدم إلى آخر الدهور، يعمل مع بقية الأعضاء بروح واحد.
2. بدعوته لها "فرسي" يعلن ملكية الكنيسة للسيد المسيح. هذا هو سرّ قوتها، أنها قد صارت في ملكيته، أقتناها بدمه، ويقودها بنفسه، تعمل لحساب ملكوته، لهذا رأى القديس يوحنا اللاهوتي الكنيسة كفرس الرب الأبيض "والجالس عليه معه قوس، وقد أعطي إكليلاً، وخرج غالبًا ولكي يغلب" (رؤ ٦: ٢). كل نصرة لنا إنما هي باسمه ولحسابه.
ومن اعتزاز الرب بكنسيته التي يقودها كفرس لقب ب "الجالس على الفرس" (رؤ ١٩: ١٩، ٢١).
3. يمتاز الخيل بالقوة والقدرة على دخول المعارك بسرعة بغير خوف، فقد قيل عنها: "هل أنت تعطي الفرس قوته وتكسو عنقه عُرْفاً؟!. أتوثبه كجرادة؟؟... أيخرج للقاء الأسلحة؟ يضحك على الخوف ولا يرتاع ولا يرجع عن السيف" (أي ٣٩: ١٩–٢١). وتحدث زكريا النبي عن قوة بيت يهوذا هكذا: "أن رب الجنود قد تعهد قطيعه بيت يهوذا، وجعلهم كفرس جلاله في القتال" (زك ١٠: ٣). ورأى الرسول بولس نفسه أحد هذه الفرس في مركبة الخلاص، فقال: "شكرًا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح" (١ كو ١٥: ٥٧).
4. يُشير الخيل إلى قوة الله السماوية أو العلوية، ففي سفر حبقوق يقول النبي "جَلاَلُهُ غَطَّى السَّمَوَاتِ... وَقَفَ وَقَاسَى الأَرْضَ... هَلْ عَلَى الأَنْهَارِ حَمِىَ يَا رَبُّ هَلْ عَلَى الأَنْهَارِ غَضَبُكَ أَوْ عَلَى الْبَحْرِ سَخَطُكَ حَتَّى أَنَّكَ رَكِبْتَ خَيْلَكَ، مَرْكَبَاتِكَ مَرْكَبَاتِ الْخَلاَصِ" (حب ٣–٨). وعندما رأى خادم اليشع النبي الجيش محيط بالمدينة اضطرب، لكن اليشع طلب من الرب أن ينفتح عيني الغلام، "فأبصر وإذا الجبل مملوء خيلاً ومركبات نار حول اليشع" (٢ مل ٦: ٨)... الخ.
أما قوله هنا "في مركبات فرعون" ربنا يؤكد أنه وإن صار المؤمنون خيلاً للرب يحملون السمة السماوية لكنهم "مركبات فرعون" أي يعيشون على الأرض (في مصر)، وقد عرفت مصر بجودة خيلها (١ مل ١٠: ٢٨-٢٩).
ويرى العلامة أوريجانوس[48] في القول "مركبات فرعون" إعلان عن استحقاقها الذاتي أن تغرق في البحر الأحمر، لكنها إذ تدخل مياه المعمودية تخرج طاهرة ومقدسة فتصير فرسًا بيضاء!
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

ثمار الرعاية:

إذ تم لقاء الراعي مع كنيسته فأعلن لها حقيقة مركزها الجديد، أنها "جميلة بين النساء" وطالبها بالجهاد كأحد فرسه في مركبات الخلاص، بدأ يعلن لها ثمر هذا العمل في حياتها، قائلاً لها:
"مَا أَجْمَلَ خَدَّيْكِ بِسُمُوطٍ (كحمامة)[49]،
وَعُنُقَكِ بِقَلاَئِدَ!
نَضَعُ لَكِ سَلاَسِلَ مِنْ ذَهَبٍ مَعَ جُامَانٍ مِنْ فِضَّةٍ.
مَا دَامَ الْمَلِكُ فِي مَجْلِسِهِ (على مائدته)" [١٠–١٢].
يمكننا أن نلخص ثمار الرعاية في الآتي:
1. يصير لها خدي الحمامة، أي تحمل روح الاتضاع مع العفة.
2. يتزين عنقها بروح الطاعة وخدمة الآخرين.
3. تتمتع بشبه الذهب ومرصعات الفضة، أي الناموس والشريعة، حتى تتمتع بالذهب ذاته أي "إنجيل النعمة" أو "الحياة السماوية".
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

1. خدي حمامة:

لقد تزين خدي الكنيسة بالسموط أي صفوف الجواهر، إذ حملت في داخلها الروح القدس الذي يملأ حياتها الداخلية، انعكس هذا على وجهها، فحمل ثمر الروح الذي هو الحب والفرح والسلام وطول الأناة واللطف والصلاح والإيمان والتعفف (غل ٥: ٢٢).
جاءت الترجمة السبعينية "ما أجمل خديك كحمامة"... وكأن سرّ جمال وجه الكنيسة هو تمتعها بثمار الروح القدس الذي يظهر على شكل حمامة.
ويعلق العلامة أوريجانوس على هذا النص قائلاً[50]: [إنه لم يقل: "ما أجمل خديك"، بل يقول: "ما أجمل ما صار إليه خديك". لقد أراد أن يوضح بأنهما لم يكونا قبلاً جميلين هكذا، أنما صار لها هذا الجمال بعد أن تقبلت (الكنيسة) قبلات العريس، وبعد أن جاءها ذاك الذي تحدث قلبلاً بالأنبياء. لقد طهر هذه الكنيسة لنفسه في جرن المياه، وجعلها بلا غضن أو دنس وأعطاها أن تعرف نفسها، بهذا صار خديها جميلين، فإن العفة والفضيلة والبتولية – الأمور التي لم تكن لها قبلاً – قد انتشرت فيها بجمال لذيذ خلال الكنيسة].
يُشير خد الحمامة إلى الوداعة والطهارة، فمن جهة الوداعة يوصينا السيد: "كونوا بسطاء كالحمام" (مت ١٠: ١٦)، أي لا تحملوا مكر العالم ودهاءه، وأما من جهة الطهارة، فإن هذا النوع من الحمام Turtle-dove الوارد في هذه العبارة يقول عنه العلامة أوريجانوس له طبيعة عجيبة، إن مات أحد الزوجين لا يقبل الطرف الآخر عوضًا عن المفقود...
يعلق العلامة أوريجانوس على هذا النص، قائلاً: [ينطبق رمز الحمامة Turtle-dove على الكنيسة تمامًا، أما لأنها لا تعرف أن تتحد مع آخر غير المسيح، أو لأن طيران الحمام يرمز للعفة والوداعة].
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

2. العنق المزين بقلائد:

عنق الإنسان – بغير زينة – غالبًا ما يُشير إلى غلاظة الطبع البشري، أما وقد تزين بمواهب الروح القدس فيصير رمزًا للجمال الروحي والرقة في احتمال الآخرين... هذه هي القلائد (الكردان أو العقد) الكنيسة! فقد كان عنقنا يحمل عارًا وخزيًا بسبب عصياننا وكبريائنا. أما الآن فصار يحمل نير المسيح، ويقبل طاعته، فصار له الجمال الروحي الفائق.
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

3. الذهب والفضة:

جاء في الترجمة السبعينية: "نصنع لك شبه ذهب مع مرصعات من الفضة، ما دام الملك على مائدته". فالكنيسة في العهد القديم لم يكن لها ذهب بل شبه الذهب ومرصعات من الفضة، أما وقد اتكأ الملك على مائدته صار لعروسه "الذهب".
إذ اتكأ الرب الملك على صليبه صار لنا "الذهب" أي "الحياة السماوية" بعد أن كنا نعيش قبلاً في شبه السمويات، "شبه الذهب"، خلال الرموز والظلال (غلا ٣: ١٩؛ عب ١٠: ١؛ ١ كو ١٠: ١١).
ويرى بعض الآباء أن كنيسة العهد القديم كانت تتمتع بشبه الذهب مع مرصعات الفضة، أي تتمتع بالناموس والأنبياء حيث كانت عفة الزيجة والترمل هي دستور الحياة، أما وقد جاء الملك البتول واتكأ على مائدته بعث في أعضاء جسده أمكانية "حياة البتولية" التي هي "شريعة السماء"، حيث هناك لا يزوجون ولا يتزوجون.
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

3


المسيا الملك

أما وقد شبه العريس كنيسته بفرسه في مركبات الخلاص، يقودها بنفسه، ويجتاز بها إلى ملكوته، فإن الكنيسة أيضًا تتطلع إليه كملك حارب عنها واتحد بها ليقيمها ملكة تجلس عن يمينه.

ناردين الملكة:

"مَا دَامَ الْمَلِكُ متكئًا على مائدته أَفَاحَ نَارِدِينِي رَائِحَتَهُ" [١٢].
إذ ملك ربنا يسوع المسيح بالصليب، ساكبًا حياته من أجلها، تقدمت الملكة إليه ترد الحب بالحب، فتقدم حياتها ناردينًا خالصًا، تسكبه عليه، فتفوح رائحته حيثما يكرز بالإنجيل.
على مائدة الرب أو مذبحه يلتقي الملك بالملكة، فتُقدم الملكة ذبيحة الملك نفسه، رائحة ذكية مقبولة لدى الآب، وتُحسب ذبيحته ذبيحتها، ورائحته ناردينها! لأن كل ما قدمه الملك على الصليب إنما قدمه باسم الكنيسة ولحسابها. لهذا أُعطى للملكة أي الكنيسة أن تُقدم ذات ذبيحته، كرائحة ناردين حب الملك للملكة وحب الملكة للملك.
هكذا يتطلع القديس أغسطينوس إلى ذبيحة الملك فيراها بعينها ذبيحة الملكة، إذ يقول[51]:
[أنتم فوق المائدة! أنتم داخل الكأس!.
هذا ما تقدمه الكنيسة خلال سرّ المذبح! وإذ هي ترفع القرابين لله تقدم نفسها له قربانًا!
هذه الذبيحة العظيمة القدر، السامية، هي نحن أنفسنا!].
يقول أيضًا[52]: [ما دامت الكنيسة هي جسد ذاك الذي هو الرأس فأنها تتعلم أن تقدم نفسها (تقدمة) خلاله].
هكذا ما دام الملك متكئًا على مائدته، تجتمع به الملكة، فتظهر فيها رائحة معرفته (٢ كو ٢: ١٥)، تُقدم ناردين حبها له، وتبذل حياتها من أجله، كما بذل حياته عنها... فتدخل معه إلى المرّ، قائلة:
"صُرَّةُ الْمُرِّ حَبِيبِي (ابن أختي) لِيّ. بَيْنَ ثَدْيَيَّ يَبِيتُ" [١٣].
إن كان قد تألم لأجلها ومات فإنها تتقدم إليه بالمرّ الذي يُستخدم في دهن المسحة وفي الأطياب... تدخل معه إلى القبر تحمل المرّ لتكفين جسده.
لقد أدركت الملكة أن عريسها هو الملك "قاهر الموت" لا يستطيع القبر أن يمسك به ولا أبواب الهاوية أن تحجبه... عرفته أنه "القيامة" واهب الحياة، فأعدت له مرًّا في داخلها حتى يدخل إليها في قلبها، الذي صار قبرًا جديدًا... هناك بين ثدييها يبيت ليدخل إلى قبره المقدس، حيث لا تشتم فيه رائحة موت، بل ناردين ومرّ، ويتحول القبر إلى هيكل مقدس، يعلن الله فيه ويسكن.
ويلاحظ في هذه الدعوة التي توجهها الملكة للملك الآتي:
1. لا تُقدم الملكة المرّ بأية طريقة كانت وإنما تحزمه وتغلق عليه "صرة المرّ"، وكما يقول العلامة أوريجانوس[53]: [بهذا لا تتشتت رائحة المرّ خارجًا، بل تبقى في الداخل فتكون رائحته أطيب وأقوى، عندئذ يقطن الملك في قلبها حيث يجد راحته، ويسكن في حضنها].
2. استخدمت الملكة عبارة "صرة المرّ حبيبي ليّ"، لأنه بحسب الشريعة كل شيء غير مربوط أو مغلق يكون دنسًا (عد ١٩: ١٥)، والنفس التي تلمس ما هو دنس تتدنس. أما يسوع فليس فيه عيب قط، بل كل ما فيه طاهر ونقي... تتلامس معه النفس فتتقدس.
ويرى العلامة أوريجانوس أن عبارة "صرة نقطة المرّ" تُشير إلى تعاليم الكنيسة الخاصة بالتجسد الإلهي، التعاليم التي تربط بالحق وتحزمه، فلا يتسرب إليها هرطقات. أما النفس التي تلمس الهرطقات – التعاليم غير المربوطة – فتصير دنسة.
3. يرى العلامة أوريجانوس أن التعبير هو "صرة نقطة المرّ"... فإن الله الكلمة غير المحدود صار بتجسده "كنقطة"، مخليًا ذاته حاملاً طبيعتنا.
4. يرى العلامة أوريجانوس أيضًا أن كلمة "حبيبي" هنا هي "ابن أخي" أو ابن أختي My Nephew، ولما كان المتحدث هنا هو كنيسة الأمم، فإن جماعة الأمم تمثل أختها البكر في التعرف على الله، وقد جاء السيد المسيح من اليهود حسب الجسد فتقول الملكة "صرة نقطة المرّ ابن أختي ليّ" إنما يُشير إلى ميلاد السيد المسيح حسب الجسد.
5. لم تقل الملكة "في قلبي يبيت" بل بين ثديي يبيت، ولعل هذا التعبير مأخوذ عن العادة القديمة أن تعلق الزوجة في عنقها سلسلة بها صورة مصغرة لزوجها الغائب علامة حبها وولائها له، إذ تستقر الصورة على صدرها[54].
وكما أن للملك ثديان هما "العهد القديم والعهد الجديد"، بهما تتغذى كنيسته فأن الملكة لها ذات الثديان. فإن كتاب الله إنما هو كتاب الكنيسة، يفرح الرب حين يجد كنيسته تقدم للعالم كلمته غذاء للنفوس.
6. أخيرًا تدعوه أن يبيت بين ثدييها وكأنها تقول له مع هوشع النبي: "أنيّ أعزل زناي عن وجهي وفسقي من بين ثديي" (هو ٢: ٢) حتى تجد لك مسكنًا في أيها القدوس. لتدخل وتبت الليل كله، فأنيّ ما دمت في ظلمة هذه الحياة الزمنية أحتاج إليك... لتدخل حتى يفيح نهار الأبدية. لتبت بين ثدييّ، فأخفيك يا إلهي داخلي، لن أخليك، فليس ليّ غيرك!.
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

الطاقة الفاغية:

"طَاقَةُ فَاغِيَةٍ حَبِيبِي (ابن أختي) لِيّ فِي كُرُومِ عَيْنِ جَدْيٍ" [١٤].
الطاقة الفاغية هي حزمة زهر الحناء، التي تطبق العروس يدها عليها طوال الليلة السابقة لزفافها حتى تصير في الصباح حمراء، ذات رائحة طيبة، وبهذا تتهيأ لعريسها[55]، وقدت أمتازت عين جدي[56] بالحناء الطيبة الرائحة.
إن كان الملك يمسك بصليبه كصولجان ملكه، فإن الملكة تمسك بعريسها في يدها وتطبق عليه فترتسم سماته وعلامة ملكه عليها... أي تحمل اللون الأحمر. إنها لن تكون ملكة ما لم تحمل علامات الصلب والبذل، وتصير حمراء كعريسها. هذا هو سرّ قوتها، وسرّ عرسها وجمالها... لهذا يناجيها الملك قائلاً:
"هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي،
هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ،
عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ" [١٥].
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

سرّ جمالها:

للمرة الثانية يدخل العريس الملك في حوار مع عروسه. في المرة الأولى كان يحثها أن تتعرف على ذاتها وتدرك أنها "الجميلة بين النساء" [٨]، أما الآن فهو يُناجيها مؤكدًا لها: "ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت جميلة". وهنا كلمة "حبيبتي" جاءت "القريبة مني My Neighbor" وكأنه يقول لها أن سرّ جمالها هو اقترابها إليه، بعد أن أقترب هو منها ونزل إليها. في هذا يقول القديس مار أفرام السرياني في ليلة عيد الميلاد[57]: [إنها ليلة جميلة، فيها جاء من هو جميل، وجعل الكل جميلاً]. أما تكرار الملك لقوله "ها أنت جميلة" فيؤكد إعجابه بها... هنا يخلط المُلك بالعُرس، والجهاد بالجمال، والتقدير والاحترام بالحب.
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2 Divider-3

العينان الحمامتان:

1. يرى السيد المسيح الملك في الكنيسة جمالاً لا يشيخ، سرّه العينان الحمامتان، فقد حلّ فيها الروح القدس – الذي يظهر على شكل حمامة – ووهبها إستنارة داخلية أو بصيرة روحية.
يقول العلامة أوريجانوس[58]: [تُقارن عيناها بالحمامتين بالتأكيد لأنها قد صارت الآن تفهم الكتب المقدسة حسب الروح وليس حسب الحرف. صارت تدرك الأسرار الروحية في الكتب المقدسة، لأن الحمامة رمز للروح القدس. متى فهمنا الناموس والأنبياء بطريقة روحية يصير لنا العينان الحمامتان. لهذا ففي سفر المزامير اشتاقت نفس ما أن يكون لها جناحي حمامة (مز ٦٧: ١٤)، لعلها تقدر أن تطير إلى فهم الأسرار الروحية وتستقر في ساحات الحكمة].
مرة أخرى يلخص العلامة أوريجانوس تفسير هذه العبارة، قائلاً: [إنه يقول "عيناك حمامتان" تنظران وتدركان بطريقة روحية].
مرة ثالثة يؤكد العلامة أوريجانوس أن عيني الحمامة تُشيران إلى القلب العفيف النقي، الذي يستطيع أن يتطلع إلى كلمة الله بفهم روحي، قائلاً: [من له عينا الحمامة يرى الحق ويستحق الرحمة... "يرى ذلك المستقيمون ويفرحون" (مز ١٠٧: ٤٢). من هو هذا الذي يرى الحق إلاَّ صاحب النظرة العفيفة النقية؟ هذا الأمر لا ينطبق على العينين الجسديتين بل على عيني القلب. فلتدخل إلى العمق، ولتبحث بروحك عن عينين أخريتين تستمدان نورهما من وصايا الله... لأن وصية الرب مضيئة تنير العينين (مز ١١٨: ٩). من له العين البسيطة يستطيع أن يدرك الروح النازل من السماء على شكل حمامة...].
يقول أيضًا القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [عندما تكون حدقة عيني الإنسان نقية يمكنك أن تُعاين فيهما وجوه المتطلعين إليهما. هكذا يُمدح جمال عيني العروس بسبب صورة الحمامة (الروح القدس) التي تظهر فيهما، إذ يحملان في داخلهما صورة لما تتطلعان إليه. فالإنسان الذي لا يعود يتطلع إلى الجسد والدم، بل بالحري يشخص إلى حياة الروح كقول الرسول، فيحيا ويسلك بالروح، فبقتله أعمال الجسد بواسطة الروح لا يعود ب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shabababosefeen.yoo7.com
 
تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الاول ج1
» تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الثامن
» تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الثانى
» تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الثانى
» تفسير سفر نشيد الأنشاد الاصحاح الثالث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شباب ابو سيفين بسمسطا :: قسم الكتاب المقدس :: دراسة الكتاب المقدس-
انتقل الى: